الجمعة، 1 أبريل 2016

أفق الحرية فى أنا حرة .



** قصة الفيلم / http://walid-sami.blogspot.com.eg/2016/04/blog-post.html

كتب / وليد سامى واصل

الفيلم انتاج عام 1959, وبرغم ذلك فقد تنبأ بمآل ثورة يوليو . لم يخف عباس مثلا دعوته الثورية التى تنحاز للفقراء , عباس يمثل قيم الثورة ورؤيتها . يقول شكرى سرحان فى أحد المشاهد " أنه لابد للفقراء أن يحصلوا على حقوقهم لا أن يعيشوا على الاحسان " وذلك رداً على رغبة أمينة " الثورة " فى أن تنضم لجمعية من الجمعيات النسائية .
أما أمينة فهى ثورة يوليو نفسها , وليس ذلك ربطاً سياسياً فقط وانما على المستوى الطبقى أيضاً , فمشروع ثورة يوليو كان مشروع الطبقة الوسطى أو البرجوازية الصغيرة وقد مثل مبادئها وفلسفتها تماماً فى تطبيقاتها الاجتماعية والاقتصادية وتوجهات النظام السياسية فيما بعد .
نستطيع أن نقراً ثلاث مراحل متمايزة فى حياة أمينة , فمرحلة تمردها الأولى كانت ضد القيم والعادات لكنها لم تضع أفقاً واضحا للحرية الا محاولة التمرد ضد قضية جزئية , هى أرادت انتزاع حق الخروج والعودة كما تشاء وكانت تهاجم مجتمع العباسية وتبادله التجريح بالتجريح المباشر خاصة اجتماعات النساء خلف الأبواب المغلقة لتسير الاحاديث فيما بينهم حول ما قالت تلك وما فعلت فلانه , كانت أمينة ترى أنها تفعل ما تشاء أمام الناس ولا تخشى أحداً, كذلك كانت بدايات شباب يوليو الذين احتجوا فى مظاهرات على معاهدة 36 , أحتجوا دون أن يكون هناك أفق واضح لبديل وطنى يحول الشعارات الى أمر واقع خاصة وأن الوفد صاحب الشعبية هو نفسه من وقع على المعاهدة .
تتمرد أمينة مرة أخرى لكنها فى مرحلة أكثر نضجاً , فقد أضافت القراءة لها الكثير . تسعى الأن لاستكمال دارستها الجامعية , وينضم طليعة من شباب يوليو الى الكلية الحربية ليكونوا نواة جيش وطنى سيطيح بالنظام الملكى وبالاستعمار نفسه فيما بعد .
انتقال أمينة الى ميدان العمل أعطاها خبرة حقيقية وشعرت بالمساواة وتحقيق الذات , لكن رصدت عبودية العمل وأن شيئاً ما مازال غائباً . أدرك ضباط يوليو أن شيئاً ما مازال غائباً أيضاً , الوطن تحت الاحتلال والجيش يحارب فى فلسطين . كان تنظيم الضباط الأحرار وكان انخراط أمينة فى العمل الوطنى . كان زواج أمينة من عباس الذى مثل قيم منطقة العباسية التقليدية لكن فى اطار مزخرف بالشهادة الجامعية وأفق العمل الوطنى والاتصال بتيارات وأفكار مختلفة , كان ذلك جوهر رؤية نظام يوليو فيما بعد وتبنيه لقضايا التحرر الوطنى والتنمية الاشتراكية لكن فى مضمون يبقى على القيم والعادات الأصيلة التى يرى أنها تمثل هوية لا تجمع المصريين فقط , بل والعرب أيضا .
هنا تبدو رؤية البرجوازية الوطنية ومشروعها واضحة تماماَ , هى طبقة حائرة فى موقفها مترددة غالباً وقد تتحول الى انتهازية , لكنها كذلك طبقة ثورية تستطيع بما توفر لها من أدوات المعرفة أن تكون طليعة الثورة وأن تقود صفوف الطبقات الشعبية لتغيير ثورى , وتستطيع فى نفس الوقت تبرير الخيانة .
مفهوم تلك الطبقة للحرية هو طرح فردى تماماً كما يبدو من عنوان الفيلم , فكل فرد منتمى لتلك الطبقة يشعر بذاته ويفكر فى العالم بمنظور فلسفى مثالى الى حد بعيد , فهو محور الكون وكل شىء نظم لأجله , هو بمعنى كونه انسان وبمعنى كونه فلان ابن فلان , ولهذا دار الحديث عن الحرية وهل هى غاية أم مجرد وسيلة . الحقيقة أن ما أكده عباس فى الفيلم أكثر من مره أنها وسيلة , بينما يحيلنا الفيلم من البداية الى مفهوم معين يبشر بقيم الثورة , مفهوم مطلق وغائى فى ذاته لأنه عرض كهدف . صحيح أنه حرر المفهوم من أزمة التخبط الأولى وهو بداية تمرد أمينة التى تمثل الثورة , لكنه أحالنا الى مفهوم بعينه ربط بين الحرية ومجموعة معينة من القيم وبهذا الربط حددها فى اطار ثابت وبالتالى مطلق ومن هنا تأتى غائيته .
والمشكلة هنا فى أن تطور رؤية تلك الطبقة كان بالتأكيد خطوة للأمام , لأن الحرية ليست مفهوماً مثالياً مجرداً بل يمكن تعريفها ووضع أفق لها اذا نظرنا للتاريخ بمنظور مختلف .
فتاريخ البشرية هو تاريخ من التطور المطرد الذى يصاحبه تغييرات اجتماعية ينتج عنها قيم جديدة تعبر عن مصالح الطبقات المسيطرة والطبقات الشعبية التى تحالفت معها حتى انتصار الثورة , بينما يتم التراجع أو التمسك بتلك القيم حسب نتائج التناقضات والصراع بين الطبقات الجديدة فى المجتمع الجديد , ومن هنا فأفق الحرية ليس محدوداً ولا مقيداً وفق مواصفات تشكيلة اجتماعية معينة , وانما هو غير محدود طالما كان أفق تطور البشر غير محدود , وهو كذلك طالما سعى البشر للتخلص من كل أشكال الاستغلال الاجتماعى والسيطرة على كل المعوقات التى تفرضها الطبيعة ليتمكن الانسان من الوصول الى الرفاهية التى تدفع الجماعة البشرية الى مدى غير مسبوق فى طريقها لتحصيل العلم والمعرفة .
أن تحديد مفهوم للحرية سيكون أوسع اذا ارتبط وكان معبراً عن مصالح قطاعات أوسع من الشعب ومن الجماعة الانسانية وهم الأغلبية المضطهدة دائما , ليس تعبيراً عما يتبنونه اليوم من أفكار هى فى أغلبها نتاج تراث ثقيل من قيم الجماعة الانسانية وحضاراتها العتيقة والتى مازالت كثير من قيمها مستمرة الى الأن ويتعارض أغلبها مع نمط الحياة فى مجتمع صناعى حديث , بل ان تلك القيم التى يتبناها ابناء الطبقات المقهورة فى أغلبها هى قيم ومفاهيم الطبقة المسيطرة , وما تراه تلك الطبقة صحيحاً وخير وما تراه غير ذلك .
أن دفع المجموعة البشرية الى الأمام يتطلب أفق أوسع للتطور يتجاوز تصوراتنا الحالية , أفق أكثر مشاعية وهو ما سيحدد مدى أكثر عمقاً وغير محدود ليس لمفهومنا عن الحرية فقط بل لمفهومنا عن العدالة والحق والخير والجمال , وربما لمفهومنا عن الأنسانية نفسها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.