الأربعاء، 2 مارس 2016

داعش كأزمة بنيوية , وكرد فعل مضاد للكولونيالية .


ليست داعش مسألة خطر علينا فقط , بل هى نذير خطر على الطبقة العاملة فى أوربا وكل مكتسباتها التى نضالت للحصول عليها , فأوربا تتجه لمزيد من الاجراءات الاستثنائية بالاضافة لخصم مكتسبات الطبقة العاملة والتخلص من بقايا دولة الرفاة الأجتماعى بل وتأهيل أوربا لسيناريو حرب أهلية محدودة , لكن ما هو دور داعش هنا كأزمة بنيوية أنتجتها الثقافة العربية الاسلامية التى تعانى أزمة مع الحداثة , ومن ناحية أخرى باعتبارها أداة فى خدمة مصالح الأمبريالية ؟
لا شك أن أحد أهم أسباب ظهور داعش بعيداً عن التناقضات الداخلية والازمة البنيوية التى تعانى منها الثقافة العربية والاسلامية هو الاستعمار الاوربى والمذابح التى ارتكبها بالاضافة لحجز تطور المنطقة , وبالتالى نحن أمام ما تم اعتباره رد فعل مضاد للكولونيالية , أى شكل من أشكال التمرد وهو ما أعطى داعش ومن قبلها التيار الدينى مشروعية كبيرة لدى الشعوب العربية والاسلامية .
هنا نحن أمام شعور قومى مندمج بتيار جارف من المشاعر الدينية التى ارتبطت بمشروع سياسى توحد على اساسه العرب تحت سلطة نبى , ذلك ما أسس لشعور كبير بالكبرياء وربما تضخم الذات القومية التى لا يمكن فصلها عن كونها تمثل مشروع دين سياسى يسعى لتكوين امبراطورية ولكن بصيغة قروسطية متخلفة .
وعلى ذكر حركة القومية العربية هنا ودورها فهى أيضا كانت ردة فعل فى نفس السياق ومن نفس المنبع , مع اختلاف مسارها نسبياً باعتبارها حركة تقدمية ومشروعها الاجتماعى كان أكثر حداثية وتطويرها لخطاب الاسلام كان خطوة جيدة للامام .
فى تصورى أن الوحى لو كان استمر حتى ما تمت السيطرة على الدول القديمة " مصر والشام والعراق وفارس " وتكونت الامبراطورية ودخلت الشعوب الاجنبية بتصوراتها وعقائدها وثقافتها للاسلام , كان الوحى أستطاع أن يحل مشاكل كتيرة خاصة أن شخصية النبى كانت فذة وهو أعظم العرب بلا منازع بالاضافة لأنه كان يتكلم بوحى منزل وتلك سلطة حل جذرية كانت ستخلصنا من مشاكل كثيرة , وهو ما كان سيجعل أداء الاسلام مع قضايا الحداثة أفضل كثيراً .
لكن ما حصل اننا تخلفنا كثيراً , حتى اننا لم نطرح الأسئلة المناسبة أمام واقع متغير بل ربما لم نطرح أى سؤال بالمره حتى وجدنا دبابات الأوربيين تحتل المدن العربية .
الغرب الامبريالى استغل شعارات الجهاد والفداء التى تميزت بها الحضارة العربية الاسلامية ووظفها لخدمة مصالحه لأننا مازلنا بنتعامل وفق قواعد الشطرنج , بمعنى أننا أمام قطع تمثل مجتمع العصور الوسطى بكل تناقضاته وظروفه , وبالتالى جيوش متكافئة لأنه فى عصر الحديد كان من السهل تكوين جيش طالما توافرت لديك أموال تشترى بها السلاح وتجمع اعداد كبيرة من المحاربين , ولم يكن هناك فارق تكنولوجى كبير مع الامبراطوريات القديمة بالاضافة ان تلك الامبراطوريات لم تمارس سياسة حظر التسليح أو أن تمنع عن الدول الأخرى تكنولوجيا متقدمة تمكنها من التفوق الكاسح , لأن ذلك كان نتاج تطور اجتماعى - اقتصادى مختلف ارتبط بالثورات البرجوازية وتغير علاقات الانتاج مع الثورة الصناعية والتكنولوجية , أما اليوم فنحن أمام استعمار مختلف ونظام اجتماعى مختلف وبالتالى محاولتنا اعادة استنساخ امجاد الماضى وفق قواعد نظام اجتماعى - اقتصادى تحلل سوف تظل تواجه فشلاً ذريعاً وكل مجهود سنقوم به سيوظف ضدنا فى النهاية , فمن سايكس - بيكو الى حالة داعش , نحن أمام حالة تمزق أكثر عكس ما تصور البعض من مناصرى التيار الدينى انها مبادرة للوحدة أو رد فعل وحدوى مضاد لمشاريع التجزأة . للاسف أقول ان الاسلام وليس الاسلام السياسى أكبر عميل للامبريالية فى الوقت الحالى وهو بما يطرحه من تصورات ونظريات سياسية عقيمة يعتبر أكبر خطر حتى على المسلمين أنفسهم .
لكن تبقى هنالك مشكلة المشروعية لأن الاسلام السياسى قدم نفسه كرد فعل مقاوم للهجمة الامبريالية وما سمى وقتها بالصحوة الاسلامية , التاريخ يقول أن عمليات قطع الرؤوس لم تكن فقط تراث دينى كما يتحدث البعض , عموما الامبراطوريات القديمة كانت تمارس ألوان من التعذيب لا حصر لها , وحتى الاستعمار الحديث وخاصة الاستعمار الفرنسى والبلجيكى قاموا بمذابح مخيفة , وقطع الرؤوس كان أقل أساليب التعذيب بشاعة التى قام بها الجنود الفرنسيون . الاستعمار البلجيكى كان يقطع أطراف الأفارقه كعقاب جماعى لأى عبد يتمرد على سلطة الاحتلال , تمثيل بالجثث وحصار شعوب بأكلمها داخل سياج من الاسلاك الشائكة , هنا تبدو مشروعية رد فعل , لكنها ليست مشروعية لداعش ولا الاسلام السياسى بالتأكيد .
ومع ذلك يبقى السؤال الأهم , كيف يكون كل ذلك فى مصلحة الامبريالية فى حين تحدث التفجيرات فى أوربا مثلا ؟ هنا الصراع الطبقى هو الذى يقدم تفسيراً لما يحدث . هناك طبقة تحكم العالم ومصلحتها واحدة تقريبا باستثناء التناقضات فيما بينها اذا أمنت شر الطبقات الشعبية , فهى تستخدم الطبقات الشعبية للحصول على مزيد من الأرباح لحد تجارة الحرب نفسها , أو تبتزهم بالخطر والاجراءات الأمنية للحفاظ على الوضع القائم كما فى أوربا مثلا بل وتبرير الخصم الذى يحدث لما تبقى من دولة الرفاه الاجتماعى . العالم كله يمر بأزمة حقيقية ونحن جميعاً مقدمين على ورطة حرب لن تنته الا بعد حصد أرواح مئات الألاف وربما ملايين البشر , هذا ان نجحت الحضارة البشرية فى البقاء .

وليد سامى واصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.